مالي وترحالي.. وقصص لعيالي، ونوتة مذكراتي وسيرة حياتي، قرآن، و إم بي ثري، وسيديهات ديفيدي، وكُتب وروايات وحاجات ومحتاجات .. في "شنطة سفر"!

بحث في المدونة

مفيش فَرق

الخميس، 3 نوفمبر 2011

مع إشراقة يوم جديد، خرج عليّ من بيته بعد أن أخذ من والدته مصروف اليوم وقبّـلته ودَعَت له بالتوفيق وسداد الخطى..
خرج مُتجهاً إلى مدرسته الخاصة، ليشارِك في حفل نهاية العام الدراسي بشعر من تأليفه عن ثورة 25 يناير وما حققته حتى الآن من إنجازات، فـعليّ مُراهِق يختلف عن باقي أبناء جيله، فهو كثير القراءة، واسع المعرفة، و ذو حسّ عالٍ يُمكنه من كتابة أجمل الأشعار والقصص القصيرة.

كان يحرص دائماً على ألّا يتأخر عن أي موعِد أياً كانت درجة أهميّته، فقرر أن يسلك اليوم طريقاً مُختصراً إلى المدرسة، و أن يضاعِف من سرعته حتى يصل قبل الموعِد بزمن كافٍ كما اعتاد أن يفعل.

لم يساعده جسمه الممتلئ على مواصلة الركض، فاستند لدقيقة إلى مُؤخِّرة سيارة حتى يلتقط أنفاسه، و يمسح وجهه المبلل ونظّاراته المُغبّرة بالمنديل.
و حينها لفت انتباهه رجل عجوز يفترش الأرض ويسند ظهره إلى حائط مبنى قديم، وكانت ملابسه البالية تكشف عن جسده أكثر مما تستر..
كان رجلاً ضئيل الجسد، تبدو عظام وجهه واضحة من شدّة النحافة، كانت قد رسمت كُل مشاعر القهر والأسى في العالم ملامح وجهه، كأن هموم الدُنيا قد حطّت فوق رأس هذا الرجل. كان ذا شعر أبيض و لحية من نفس اللون يزيدانه قُبحاً على قبحه ، كانا كثيفين كأنه لم يزر الحلاق في حياتِه قَطْ !

أبى أن يذهب إلى موعده قبل أن يتصدَّق على هذا الرجل بأي شىء، فاقترب منه وأخرج نصف ما في جيبه وأعطاه له، فأمسك العجوز بيده مُسرِعاً وقال:
- خذ نقودك يا ابني، أنا لست شحاذاً!
- فرد عليّ ببراءة مُندهشاً "إذاً لمَ أنت بهذه الحال؟!"
-  خرجت من بيتي من سنين، و هنا أكثر راحة.
-   وكيف تأكل؟ كيف تشرب؟
-  مثلما يفعل الكلاب و القطط بالضبط.
-  عليّ مُندهشاً: "كيف!؟ كيف لك كإنسان أن..."
-  قاطعه العجوز:  "مفيش فرق"، صدّقني "مفيش فرق".
- حرامٌ عليك، لا تـَـقُل ذلك، لقد كرّم الله الإنسان وفضّله على باقي المخلوقات.
- الفروق بسيطة يا ابني، و في بلدنا لا توجد فروق أصلاً، بل أن بعضهم أفضل حالاً من أمثالي، لهم من يرعى حقوقهم، و إذا نادوا يُجابون، و إذا مرضوا يُعالجون، ولكن من يشكُ من أمثالي يُذَلْ، ومن يتكلم يُقمع.

لم يقدر عليّ على مواصلة الجِدال في نفس الموضوع، و كان أوّل ما توارد على ذهنه بعد ذكر العجوز "بلدنا" و"من يتكلم يُقمع" هي الثورة..
فسأل عليّ:
-  وما رأيك في الثورة يا حاج؟
- "عصابة من اللصوص، استولوا على البلد، وقسّموها على أنفسهم..".
تعجّب عليّ مما يقوله ذلك الرجل، ولكنّه لم يقاطعه، ثم أكمل العجوز: "حتى الراجل الأمير اللي اسمه محمد نجيب..."
-  قاطعه عليّ هذه المرّة: " محمد نجيب؟! ومن يكون محمد نجيب ".
- اللواء محمد نجيب، أول رئيس جمهورية مصري!
-  أليست قديمة تلك الأحداث؟ لقد عفى عليها الزمن
-  ونحن نعيش على الماضي يا بُنيّ، مازلنا ننتظر أن يذهب هذا الطاغية السارق حسني مبارك أو تقوم عليه ثورة تخلعه حتى، والبركة بالشباب.

صُدِم عليّ، وسيطر عليه الصمت، أدرك فقط حينها أن الثورة لم تصل إلى ذلك الرجل و لم يسمع بها حتى، ذلك الرجل و مثله الكثيرين..
شعر أن عشرات من الأفكار قد أنارت رأسه، وأحس برغبة قوية في أن يمتلك قلماً وورقة في هذه اللحظة ليخرج ما بداخله من مشاعر مُتضاربة في كلمات على ورق، عوضاً عن هذا الصمت الذي سيطر عليه.
و دارت في عقله الأسئلة، لمَ لمْ يفكر واحد من "الورد اللي فتّح في جناين مصر" أن يتواضَع لمثل ذلك الرجل موضّحاً له أن ثورةً ما قد قامت لأجله، قامت حاملةً مبادئ كثيرة تكفل له حقوقه كــ "إنسان"..
حقوق تجعل حياته أفضل بكثير من حياة الكلاب والقطط.
ابتسم إلى الرجل ابتسامة مُصطنعة تغلب عليها "خيبة الأمل"، لم يفهمها العجوز.
و قرر بعد صمت أن يعود إلى بيته دون أن يقدم فقرته..
دون أي اعتذار..
و نسيَ حتى أن يودِّع العجوز.
و لم يسمع على امتداد طريقه للبيت سوى صدى صوت لكلمة
" مفيش فَرق " .

عبدالله خيري

إنهن يشربن الـ "بيريل"

الجمعة، 19 أغسطس 2011


أسقطت ثورة الخامس والعشرين من يناير العديد من الأقنعة، وكشفت حقيقة الكثير من الشخصيات اللامعة في مجتمعنا المصري، وفي الوقت الذي كانت تتهاوى تلك الشخصيات صعدت شخصيات أخرى مكانها ونالت من الشهرة والشعبية أكثر مما تستحق بكثير.. 
وكعادة مُجتمعنا المصري بصفته "مُجتمع ذكوري" قام بتسفيه دور الناشطات السياسيات والسخرية منهم (بقصد أو بدون قصد) واستنكر مُشاركة المرأة في الحالة الثورية التي تعيشها مِصر.
فـ على سبيل المِثال، تضامن مُؤخراً بعض الشباب على الإنترنت مع الناشط لُؤي نجاتي رافعين شعار "لا للمحاكمات العسكرية"، على الجانب الآخر عندما تعرضت أسماء محفوظ إلى نفس ما تعرض له لُؤي.. فرح بعض الشباب رافعين شِعار "أحسن، خليها تتربى"، كأن ليس من حقها كـ "بنت" أن تتكلم بجرأة وبدون خوف (كأن جُرأة أسماء خطأ يجب أن تدفع ثمنه).
مُتناسيين ما قامت به أسماء قبل اندلاع الثورة، ففي الوقت الذي كانت تخاف فيه "رجالة بـ شنبات (ودقون)" أن تشارك في أي مُظاهرة خشية أن تُلتقط لهم صورة من مُخبرين جهاز أمن الدولة المنحل، فيذوقوا العذاب على أيدي رجال الجهاز.. خرجت أسماء إلينا بمقطع فيديو يدعو الناس للتظاهر ضد الظلم والفقر والجوع، ولم تخشى حينها إلا الله!
وبعد قيام الثورة، ظهر على الشاشة بعد غياب طويل إعلامي شهير في برنامج يحمل إسمه، ليبخ السم في آذان المُشاهِدين كُلَ يوم، و ليصرخ و يبكي كـ الأرامِل "خلااااص.. كفاية كدة.. البلد باظت.. الريِّس وعد بالتغيير".. وعلى الجانب الآخر كانت نوارة، في مُداخلات تيليفونية دائمة مع قناة الجزيرة (والنظام ما زال يحتفظ ببعض القوّة) قائلة: "إحنا مكنّاش بنهزر، مش هنمشي إلا لما يقول أنا فهمتكم". أظن أنه لا يوجد وجه مقارنة بين نوارة و هذا الإعلامي الــ "أراجوز". بالمناسبة، هو نفس الإعلامي الذي ظهر يوم التنحي باكياً على قناة أون تي في: "إحنا كنّا مذلولين يا جماعة!! لا يمكن هييجي أسوأ من اللي كُنا فيه، إحنا كُنا في عصر.. إسود و مهبب.... إلخ"
و في مثال آخر، عندما كانت أحداث الثورة على أشُدّها، التقى إعلامي في التيليفزيون الحكومي بالمُستشار سليط اللسان، و الناشطة إسراء عبدالفتاح (مُتخيلين أن إسراء كونها فتاة، ستكون فريسة سهلة يسهل التلاعب بها أمام المُشاهِدين) ولكنها كانت أجرأ من كثيرين من الذين تربطهم بهذا المُستشار العديد من القضايا في المحاكِم (الذين يخشون أن يلاقوه صُدفةً في الشارع).. و زي ما تقول كدة.. "غسلِتُه"!!
أسماء، نوارة، وإسراء.. مُجرد أمثِلة عن بنات أكثر رُجولة من كثير من شباب جيلي.. بنات يشربن الـ "بيريل":) 

19 أغسطس 2011 - عبدالله خيري